بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
وقفة مع الديون
يعجز أحدنا في هذا الزمان أن يقضي حاجاته الكبيرة والمصيرية في حياته دون أن يرهن راتبه أو أن يضع على نفسه ديوناً لا قبل له بها.. قليل منا من تزوج أو اشترى سيارة أو أرضاً وبنى بيتاً دون ديون أو قروض.
جاءت أقدارنا أن نعيش في هذا الزمان لتحتم علينا ظروفه أن يكون الزواج بهذه التكلفة والسيارة بتلك القيمة والبيت مقابل أرقام فلكية.. عاش أجدادنا بتكاليف قليلة جداً تكاد لا تذكر ومصروفات أقرب ما تكون إلى الصفر.. الزواج أيسر ما يكون، أما البيت والمطية فهي من الإنتاج المحلي إضافة إلى أنه لا يوجد بنوك ولا رجال أعمال يملكون كميات هائلة من الأموال فلا أحد يعرف معنى رقم مليار أو حتى مليون.. أقول إن تكاليف الحياة لا يمكن أن نقارنها بالسابق ولهذا فإنني لا ألوم نفسي ولا أبناء وبنات جيلي عن حالنا اليوم.
تحمل كثير منا الديون بسبب أو لآخر خصوصاً في بداية الحياة من نهاية العشرينيات إلى بداية الأربعينيات من العمر أو إلى نهايتها ويكون قد كوّن عائلة لا يطرق بابها الدّيانة ولا تستقطع من رواتبها البنوك.. هذا قدرنا وهذا واقعنا.. ولكنني أتعجب ممن وصل سن التقاعد ويسكن بالإيجار ويستقطع البنك جزءا كبيراً من راتبه والأدهى من ذلك كله أن أصحاب الديون يطرقون بيته ليلاً ونهاراً.. لا يستطيع أن يوقف سيارته خارج المنزل ولا أن يفتح الباب لكل طارق أو يرد على أي هاتف ويغير رقم هاتفه باستمرار.. تعود أبناؤه على الكذب وتصريف الناس والمحافظة على أبيهم في عزلته عن المجتمع أو عن أصحاب الحقوق بمعنى أصح.. هكذا يتهرب بعضهم من عمله يختفي ويظهر دون سابق إنذار.. يقضي وقته في العمل يراقب الداخل والخارج خوفاً من أصحاب الحقوق أو من الحقوق المدنية وهو في آخر مشواره الوظيفي, ويدخل في مشاكل كثيرة مع مسؤوليه في العمل لتغيبه وانسحابه من العمل دون استئذان.
لا ترحم الحياة من لا يعطيها حقها وتقسو عليه إلى درجة الإهانة.. فمن لا يعرف حجمه أمامها فهي قادرة على أن تريه حجم نفسه ولكن بعد فوات الأوان.
(اللهم أوف عنا دين الدنيا بالميسرة ودين الآخرة بالمغفرة برحمتك يا أرحم الراحمين).